آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الأوبئة عبر التاريخ المصري (من الطاعون الي كورونا) ؟!



لحظات عصيبة عاشها الشعب المصري قديماً علي مر تاريخه وبِـ عصورٍ مُختلفة فمع إنتشار الأوبئة على مرالعصور، وعلى الرغم من فتك تلك الأمراض بآلاف المصريين عبر التاريخ إلا أن المؤرخين لم يشيروا إلى تدني المستوى الطبي في مصر في تلك العصور بل أجمعوا على أن الظروف الاقتصادية حينها كان لها الدور الأكبر في تفشي تلك الأوبئة إلى جانب عنصر المفاجأة في إنتشار تلك الأمراض حال دون تصدى الأطباء لها، وإقتران ظهور تلك الأوبئة بفيضان النيل من عدمه.

البداية كانت مع (وباء الطاعون) والذي هاجم مصر على فترات متعددة، بدايته  وفى عهد (إخناتون) وصل إلى أسرته وأخذ حياة ثلاثة من بنات الفرعون، مما أصابه بالفزع فراح يعد الجميع ليكون حاكما بعده لأنه لم يعرف من سيعيش من هؤلاء الأطفال ومن سيأخذه الموت ، وتذهب بعض الدراسات إلى أن الطاعون استمر حوالى 17 عامًا (1353 إلى 1335 قبل الميلاد) - حتى أن ثلاثة من بنات إخناتون توفين خلال ذلك الوقت منه.

كما يذهب البعض إلى أن هذا الطاعون تسبب فى موت الملكة الشهيرة نفرتيتي، حيث يذهب بعض الدارسين إلى أن هناك دليل أيضاً على أن نفرتيتي قد توفيت في السنة الرابعة عشرة من حكم زوجها اخناتون حينما ابتليت مصر بوباء الطاعون آنذاك.
وأضافت الصحيفة أن الغموض والتعقيد يأتيان بسبب مرض الطاعون الذي ضرب مصر خلال فترة حكم إخناتون ونتج عنه وفاة عدد كبير من عائلة الفرعون. 
وفي أكتوبر من عام 1347 حتى يناير 1349م وحينها استطاع الوباء حصد أرواح ما يزيد عن 200 ألف مواطن مصري،
وفي عام 1791 عاود (الطاعون) مهاجمة المصريين وكذلك عام 1800م والذي حدث أثناء وجود الحملة الفرنسية في مصر ومحاولة دخول الشام،

وحينها قتل نابليون عددا كبيرا من الأسرى وترك الجثث تحللت في الشوارع ما أدى إلى إصابة جنوده بالوباء، ونقله إلى مصر، وتوفي حينها ما يقرب من 75 ألف شخص في القاهرة و125 ألفا في المحافظات لتكون حصيلة ضحايا الفيروس 200 ألف مواطن.
والشئ بالشئ يُذكر فهناك قصة مواجهة محمد علي لـ«الفناء الكبير» في مصر
اعترف بصفته مستبدا مستنيرا بأنه يجب توفير الرعاية الصحية لكل أفراد المجتمع
أنشأ أول نظام صحي قروي تدعمه الحكومة في عالم البحر المتوسطكان الرصاص يطلق على أرباب الأسر الذين لم يبلغوا عن موت أحدهمخلال هجوم وباء الطاعون اللعين في القاهرة عام 1695 كان الأصدقاء يزورون المصابينرغم احتياطات الحجر الصحي دخل الطاعون الموانئ المصرية عام 1835مع تراجع الوباء في أكتوبر 1837 توفي ما يقرب من مائتي ألف مصريعمل الدبلوماسيون البريطانيون على منع إقامة مراكز حجر صحي على المراكب عام 1839في الدلتا عام 1841 تم فرض تدابير ضد الطاعون بشمولية غاية في القسوة.. وكانت القرى تحاط بأكملها بكردون صحي
في زمن الطاعون، كان على المماليك الغرباء بطبيعة الحال أن يتخذوا قرارات فردية عن كيفية التعامل مع المرض. ففي عامي 1347 - 1348، هرب العديد من المماليك بقيادة سلطان صغير يبلغ من العمر أحد عشر عاما (الناصر محمد بن قلاوون)، من القاهرة إلى القرى الخالية من الطاعون شمال المدينة، ومع ذلك قرر معظمهم في السنوات الأخيرة أن من الأفضل لهم البقاء في القلعة للدفاع عن مصالحهم ضد المماليك المنافسين. وربما لم يكن البقاء بالفكرة الجيدة؛ فقد لاحظ المعاصرون وفيات مرتفعة من الطاعون بدرجة غير عادية بين نزلاء القلعة.
ووفقا لكاتب الحوليات، الجبرتي، فإن العديد من الأثرياء والأمراء وكبار التجار وآخرين، كانوا يشاركون في هذا العمل الخيري. ويساعدون بصفة شخصية في دفن عدد كبير من الموتى بالطاعون في المقابر الشرقية والجنوبية، وفي فعلهم لما قاموا به، يعتقد المؤمنون أن عودة المرض تمت بواسطة الله الرحيم ليفتح للمؤمنين بابا من 360 بابا من أبواب الجنة.
وربما كان الموقف في المناطق الريفية مختلفا نوعا ما، وهنا بين الفلاحين الأميين، استمر النظر إلى الطاعون على أنه عقاب من عمل الجن الذي يستجاب له على نحو أفضل بالفرار إلى القاهرة حيث كان هناك نقص مزمن في العمالة. وفي شرق الأناضول في قلب الأراضي العثمانية، أثناء طاعون عام 1720، صعد العديد من القرويين إلى سفوح التلال؛ وبعد الأزمة ظل البعض منهم في مواطنهم الجديدة. وبالسفر مقابل اتجاه مصر على ساحل البحر الأحمر في سنة 1816، أخبر الناس الفارون جون لويس بوركهارت أن "الطاعون هو البركة التي أرسلها الله إلى العالم ليدعو الصالحين إلى الجنة؛ نحن نعتقد أننا لم نصل بعد إلى هذه الحالة من النعمة، ولذا ندخر أنفسنا لوقت آخر".
استمر الطاعون، في مكان ما في مصر، على الأقل في الست عشرة من الخمسين سنة بين عام 1750 و1800، وقد لقي عدد كبير من الناس حتفهم بسبب المرض. بعد ذلك، في أوائل القرن التاسع عشر وصل إلى الساحة حاكم أجنبي جديد، وعلى عكس أسلافه، أثبت محمد علي قدرته في اتخاذ إجراء قوي عندما واجه الطاعون.
اعترف محمد علي بصفته مستبدا مستنيرا بأن كل أفراد المجتمع، لكي يكونوا منتجين يجب توفير الرعاية الصحية الحديثة لهم. ولهذا الهدف، قام بإنشاء أول نظام صحي قروي تدعمه الحكومة في عالم البحر المتوسط؛ ربما لم يوجد نظام مشابه في بريطانيا الليبرالية حتى مجيء الحكومة الاشتراكية في عام 1945، ولكي يقدم تغطية صحية قروية شاملة، استقدم الباشا المستشارين الطبيين الأوربيين في الممارسات الإكلينكية، يتقدمهم الدكتور أيه. بي. كلوت. وفي عام 1827، أسس كلوت ومحمد علي المستشفى التعليمي الأول على النمط الأوروبي في مصر، مستشفى قصر العيني.
وعلى الرغم من احتياطات الحجر الصحي التي اتخذت في عام 1834، دخل الطاعون الموانئ المصرية الواقعة على البحر المتوسط بقوة كبيرة في السنة التالية.
خلال الشهور الاولى، لم تتأثر إلا المناطق البعيدة بالقرب من الإسكندرية، ومع ذلك، ضرب محمد علي كردونا صحيا حول المدينة. وعندما انتشر الطاعون، استخدم محمد علي تدبيرات مشددة كتلك المتبعة في جنوا عام 1656، وقامت الشرطة والجيش بحبس ضحايا الطاعون في مستشفيات الأمراض المعدية، وحرق متعلقاتهم الشخصية.
وكما كان يحدث في أوربا، أُخذت الحالات الاجتماعية في الاعتبار؛ فأهالي الإسكندرية من الطبقة المتوسطة أو العليا الذين كان يشتبه في مرض أحد أفراد أسرهم، كان يتم ترحيلهم مع عزل أهل البيت. وفي المقابل، كان يتم تجميع أسر الطبقات الفقيرة بالكامل المشتبه في إصابة أحد أفرادها بالطاعون ليلا ونقلهم إلى مراكز الحجر الصحي في حافة المدينة. وكان الرصاص يطلق على الفور على أرباب الأسر الذين لم يقوموا بالإبلاغ عن موت أحد أفراد الأسرة بالطاعون.
والذي أغضب مسلمي الإسكندرية على نحو خاص من "مفهوم النظام" الذي طبقه محمد علي، هو أن "الملحدين النصارى" (الأطباء الغربيين) كانوا يظهرون وكأنهم يأمرون الأطباء المسلمين بفعل أشياء تتنافى مع شريعة الله.
ولإيقاف تجميع المشتبه فيهم (الذي كان يشاع أنهم ربما ماتوا بفعل الطاعون بعد الفحص الإكلينكي) اعترضت مجموعات من المسلمين سبيل الجنود الذين كانوا يأخذون الناس تحت جنح الظلام. كانت النتائج متوقعة: قتل بعض الأفراد رميا بالرصاص، مما روع كل المناطق المحيطة، وتم تجميع المزيد من ضحايا الطاعون وأسرهم.
بعض الأسر التي ووجهت بفشل تضامن الجوار قامت باتخاذ تدابير خاصة بها، حيث قاموا سرا أثناء الليل بحفر حفر لموتاهم بفعل الطاعون في ساحة الدار، أو ترك الجثة في أحد الشوارع البعيدة بحيث لا يمكن التعرف عليها، وبذلك يجنبون الأسرة العقاب.
في الوقت الذي تراجع فيه الوباء في أكتوبر 1837، توفي ما يقرب من 75 ألف قاهري، و125 ألف مصري آخرين. كان مجموع الوفيات مساويا لحجم الجيش كله، الذي كان يبلغ حوالي 7% من سكان مصر.
بالنسبة لأمة صغيرة غير غربية تناضل من أجل الظهور على أسس متساوية مع القوى الإمبريالية الليبرالية، كانت هذه الخسارة ضربة قاضية. وكانت هذه البداية، ففي عام 1838، تحت نداء موجة تحرير التجارة، أجبر اللورد بالمرستون، السلطان العثماني ونائبه في مصر على السماح للوكلاء البريطانيين بشراء القطن مباشرة من المنتجين، وهو ما دمر احتكار الحكومة المصرية لمورد تصدير ودخل حيوي.
عمل الدبلوماسيون البريطانيون على منع إقامة مراكز حجر صحي أخرى على المراكب، وعندما كتب السفير البريطاني اللورد بونسونباي عام 1839 إلى الباب العالي، أبدى ازدراءه بصراحة للسياسات الشرقية بشأن فحص وحجز السفن والمخازن.
وعلى الرغم من الإعاقات التي سببها الإمبرياليون لمحمد علي، عندما انتشر وباء الطاعون في شمال مصر عام 1841، فإنه مرة أخرى أخذ زمام المواجهة هذه المرة. كان يصاحب أطباء الطاعون الأجانب كتائب من الجنود، وكان هناك معالجات من النساء للنساء المصابات بالطاعون. وبمواجهتهم بهذا النظام الداعم، أصر الأهالي المحليون على موقفهم، وقرروا عدم التعاون.
وكما أنجزها الدكتور ماسيرانو وأطباء بأجر آخرين في الدلتا عام 1841، فقد تم فرض تدابير ضد الطاعون بشمولية غاية في القسوة. ففي أية قرية مشتبه فيها، كان الفصل يتم بين الضحايا الأحياء وأفراد الأسرة عن الفلاحين الأصحاب فيوضعون في العزل، وكانت القرية تحاط بأكملها بكردون صحي يحرسه جنود أعطوا أوامر بإطلاق النار والقتل. وفي داخل القرية، كانت تحرق ملابس ومتعلقات المتوفى بالطاعون. وكان يتم ترحيل جميع الفلاحين الآخرين، ويفصلون بحسب الجنس في انتهاك عنيف لأفكار المسلمين حول عدم لياقة العري العام، الذي كان يتم في حمام في حضور الأطباء (ومن هناك كانت الحاجة إلى طبيبات من النساء للإشراف على غسل النساء). وعند الانتهاء من الحمام (لم يكن أحد يعرف حينئذ أن البراغيث التي من الممكن أن تحمل الطاعون كان يتم التخلص منها) كانت تقدم للفلاحين ملابس نظيفة ويظلون لعدة أيام تحت الإشراف الطبي.
فقد تناقض الطاعون (كانت النوبة المحلية الأخيرة في أكتوبر عام 1844) ثم انقطع. وبعد ذلك أصبحت مصر خالية من الطاعون، وربما استمرت على ذلك طوال ثلاثة أجيال، الزوار الذين يقفون اليوم أمام مقبرة الباشا في مسجده بالقلعة، ربما قد يتغاضون عن التفكير في أنهم سمعوا تنهيدة تصدر صاعدة تقول ما ترجم عن الأقوال العربية: "لكنني أخيرا فزت بالنصر على الطاعون". ويعظم من تباهي الباشا هذا الفهم الحديث بأن الحجر الصحي، متوافقا مع هلاك أعداد الفئران الموبوءة، ربما حرر حقا مناطق كبيرة من البلاء العظيم.
منذ العقد الأخير من القرن الثامن عشر حتى العقد الرابع من القرن التاسع عشر حدثت في مصر خمسة موجات من وباء الطاعون، آخرها الطاعون الذي حدث في عهد محمد علي عام 1834. الطاعون الأول كان عام 1791، وقد أشار إليه الجبرتي، ومات به الشيخ مرتضى الزبيدي صاحب كتاب "تاج العروس"، ثم طاعون 1792، والذي أشار إليه الشيخ محمد الصبان النحوي المشهور، ثم طاعون 1800 الذي حدث أثناء الحملة الفرنسية بمصر، وقد كان أشد فتكا بالصعيد وخاصة أسيوط. وفيه ذكر الجبرتي: فلما ظهر الوباء انزعج الفرنساوية من ذلك، وجردوا مجالسهم من الفرش، وكنسوها وغسلوها، وشرعوا في كرنتيلات ثم زادوا في وسائل المكافحة فأمروا بحرق الثياب التي على أجساد الموتى من الوباء، وحصل بذلك للناس انزعاج عظيم"، أما وباء عام 1823 والذي حدث في مدة حياة الشيخ حسن العطار، فقد وصفه في حاشية العطار على شرح الخبيصي.
قبل فيروس كورونا.. كان هناك 6 أوبئة خطيرة مرّت على مصر عبر التاريخ
1-الوباء الأصفر، عام 1348


عندما عاود الطاعون الدملي ظهوره في الشرق الأوسط عام 1347، كان العالم الإسلامي الغربي، تحت حكم النظام العسكري المملوكي، وامتدت الإمبراطورية المملوكية، ومركزها القلعة بالقاهرة، جنوبا بعد أسوان وشمالا إلى فلسطين وسوريا.
وكما كان يحدث في الغرب المسيحي في أوائل القرن السادس عشر، كان الالتزام الديني في العالم الإسلامي أقوى في المدن الكبرى عن وجوده في الريف. وعلى ذلك، ففي القاهرة خلال هجوم وباء الطاعون اللعين في 1695 - 1696، كان التصرف الأخلاقي المتوقع من المؤمنين بين الناس من الطبقات المتوسط يتم الحفاظ عليه بشكل دقيق. وبانتشار العقيدة الإسلامية عن الأعمال الصالحة، فإن الأسرة والأصدقاء والجيران كانوا يزورون بصفة منتظمة المصابين بالطاعون، ويساعدون في إطعامهم وغسلهم. وكانت أعضاء الأسرة تساعد المتوفين، وتجهز أكفانهم وتنقلهم إلى المقابر بصحبة مواكب كبيرة من المعزين.
وصول محمد علي
خدم محمد علي وهو ابن تاجر عسكري مقدوني في الجيش العثماني، ففي سنة 1801 بينما كان شابا يافعا مندفعا، أرسل إلى مصر كقائد ثان على الفرقة الألبانية للتخلص من بقايا جيش نابليون بونابرت (الذي ضربه الطاعون من قبل في سوريا)، وفي 1805 أصبح محمد علي باشا نائبا للسلطان، والحاكم الحقيقي لمصر تحت السلطان العثماني.
في عام 1834، كان محمد علي ملتزما بمفهوم النظام في زمن أزمة المرض، وفي عام 1812 وبعلمه بظهور الطاعون في إسطنبول، المدينة الرئيسية للنظام السياسي العثماني، والشريك التجاري الأساسي، فقد فرض حجرا صحيا بحريا على السفن التركية، فلم يدخل الطاعون مصر.
وبعد ذلك، وللتعامل مع مشكلة الأفراد والبضائع القادمة من موانئ الشرق الموبوءة بالطاعون، قام بتأسيس مستشفى للأمراض المعدية، ومخزن بدمياط.
كردون صحي
كانت إجراءات الصحة التشريحية التي يقوم بها الأطباء عند فحص وتشريح جثة المتوفي العارية، والتي كانت تدفن في الجير الحي، تعتبر أمثلة صارخة على التدنيس.
وفي النهاية، لم يأت تطبيق "مفهوم النظام" بالنتائج المرجوة. بمجرد أن ينتشر وباء الطاعون بين الفئران والبراغيث والسكان في جميع الأنحاء من الإسكندرية إلى الأقصر، لم يكن لدى محمد علي ما يفعله سوى الانتظار حتى يأخذ الوباء دورته.
وفاة مائتي ألف مصري
وبعد ثلاث سنوات أجبرت أوروبا المصريين على الانسحاب من سوريا (حيث كانت منذ عام 1250 جزءا رئيسيا من الإمبراطورية المملوكية) وبحرمانه من قاعدته الضريبية في سوريا، ومن إيرادات الاحتكارات الحكومية في مصر، حل منتصف عقد الأربعينيات ولم يكن محمد علي قادرا على منع المرابين من الفوز بالسيطرة على الأسواق المالية في مصر. وقد بدا أن حلمه بتأسيس مصر تحت سيادة اسمية عثمانية مستقلة عن الغرب سرعان ما أصبح وهما.
ومثال لذلك، في محافظة الغربية بالدلتا، قابل ثلاثمائة شيخ من شيوخ القرى حاكم المحافظة في فبراير 1841، وأكدوا له أن فلاحيهم التابعين لهم غير مصابين بالطاعون. وقد كان هذا كذبا واضحا، فبعد عدة أيام قليلة عُلم أن ستمائة وخمسين شخصا، نصف سكان إحدى هذه القرى تقريبا قد ماتوا بالفعل بسبب المرض. وفي قرية أخرى اكتسحها الطاعون، قتل من نجا منهم الجنود الذين أرسلهم محمد علي، ولعدة ساعات منعوا القوات المعززة حتى من استرداد جثثهم. ومع ذلك، ففي مناطق أخرى، نجحت القوات المخصصة لدعم "مفهوم النظام" في الحفاظ على السلطة.
نجاح مدهش
وبمواجهة السفن القادمة من موانئ البحر المتوسط المشتبه فيها بإجراءات صارمة، بدا أن تدابير محمد علي قد نجحت هذه المرة بتأثير مدهش.
خمس موجات من الوباء
ثم جاء الدور على (الكوليرا) والتي هاجمت مصر ثلاث مرات متعاقبة الأولى منها عام 1883 ثم 1902 و1947م،


وحصدت الكوليرا أرواح ما يزيد عن 95 ألف ضحية، ثم ظهور إنفلونزا الطيور عام 2006، وإنفلونزا الخنازير 2008 حتى وباء كورونا الذي تفشي مؤخرا في عدد كبير من دول العالم.
يقول الدكتور أحمد عبدالدايم أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، إنه في عام 1800م مع دخول الحملة الفرنسية مصر، اجتاح الطاعون مصر، ما أدى إلى فشل الحملة في دخول بلاد الشام بعد تفشي الوباء بين جنود نابليون، وحينها اتخذ الفرنسيون إجراءات وقاية عديدة للحيولة دون انتشار الوباء، فكان يتم عزل البيت المصاب وتطهيره ثم تبخير أهل البيت المصابين بأبخرة نباتات طبية كان لها دور كبير في القضاء على الوباء حينها، ويضيف أنه حينما فكر محمد علي باشا والي مصر في تكوين جيش قوي من المصريين، وضع نصب عينيه وباء الطاعون ما دفعه إلى اتخاذ إجراءات وقائية للحد من خطورة المرض، واتخذ من منطقة "الأزاريطة" بالإسكندرية، موقعا للحجر الصحي بشكل علمي، لتكون تلك المنطقة هي الأولى التي يتم عمل حجر صحي بها وتكون خارج المدينة، وهذا الأسلوب أتى بثماره وقلل نسب الإصابة في المدن والأقاليم.
ويؤكد أستاذ التاريخ الحديث أن فكرة العزل بدأت في عهد محمد علي، مشيرا إلى أن الأوبئة في السابق كان كثيرا ما يرتبط ظهورها بتغير رائحة الهواء، فعندما تتغير الرائحة يشعر المواطنين أن هناك وباء يقترب منهم، وكان يطلق على تلك الظاهرة "الوخم" ولم تكن تنتشر الأمراض والأوبئة بالتلامس بل كانت تنقل عبر أبخرة الماء المتصاعدة في الهواء،
وعن وباء الكوليرا يقول عبدالدايم إنه يعد من أكثر الأوبئة التي اجتاحت مصر، حيث وصل عدد مرات انتشارها في مصر إلى 7 مرات.
ويروي "عبدالدايم" قصة انتشار الكوليرا ويقول: "السفن كانت بتعدي في مصر على المدن الساحلية، وفي عام 1883م، أحد الموظفين الإنجليز كان مصابا بالمرض، ونقله للمدن الساحلية ومنها انتشر في الداخل، وقضى وقتها على ما يقرب من ربع سكان الإسكندرية، باعتبارها الميناء الرئيسي في تلك الحقبة".
وبدوره، يقول الدكتور أيمن فؤاد أستاذ التاريخ الإسلامي، إن الأوبئة في مصر دائما ما كانت ترتبط بنهر النيل في سنوات العجاف، وظهر ذلك جليا في عهد يوسف، حينما أتت على مصر 7 سنوات عجاف، ودائما ما ترتبط تلك السنوات بالأمراض، نظرا لنقص المحاصيل الزراعية في تلك السنوات ومن ثم نقص الغذاء وما ينتج عنه من أمراض، ومع نقص مناعة المصريين حينها بسبب نقص الغذاء يكونون أكثر عرضة للأوبئة، مشيرا إلى أن مرحلة الدولة الإسلامية كانت قد شهدت ظاهرة مرضية عظيمة في شدتها، سميت حينها بالشدة العظمى وذلك بعدما حدث قصور في مد النيل ما تسبب في بوار أراضٍ زراعية عديدة، ما أدى إلى تعرض البلاد إلى مجاعات، ووصل الأمر إلى عزل أحد أئمة الدولة الفاطمية، داخل منزله ووصل الضيق والمرض حينها إلى بيع الزخارف والتحف الخاصة بالفاطميين بأسعار بخس، حتى يتم مواجهة تلك الأزمة والوباء، ومع وجود الوباء ونقص الغذاء استفحل المرض داخل مصر، ولم يكن لأحد مهما كانت قدرته العلمية والطبية أن يواجهه، ولم يذكر المؤرخون اسم هذا الوباء، وذلك لعدم وجود أدوات دقيقة لتصنيف الأوبئة كما هو الآن، وفي عام 805 و806 هجريا، جاءت المحنة الأكبر في مصر والوباء الذي ذكره المقريزي في كتابه "إغاثة الأمة بكشف الغمة" عام 808 هجريا، بعد أن أزهق الوباء روح ابنته، وذكر في هذا الكتاب تفاصيل الأزمات والأوبئة والمشاكل التي مرت بها مصر منذ عهد يوسف.
ويتابع المؤرخ ويقول: "قبل عهد المحن وتحديدا في نهاية القرن السادس الهجري، في 598 هجريا، جاءت إحدى الأزمات وظهر الوباء الأعظم كما كان يسمى حينها، وذكر تفاصيله عبداللطيف البغدادى في كتاب الإفادة والاعتبار، وكان بيتكلم عن عدد القتلى حينها"، ويتابع قائلا إنه في منتصف القرن الثامن الهجري، جاء ما يعرف بالوباء الأسود، واستمر لما يقرب من 15 سنة، وحينها فقدت دول حوض البحر الأبيض المتوسط ما يقرب من ثلث سكانها،
ويقول الدكتور محمد صبرى الدالي، أستاذ التاريخ، إن مصر تُعد بيئة فيضية تعتمد على نهر النيل، وهذا يعد أحد أسباب الأوبئة وذلك لأنه عندما كان يقل الفيض، دائما ما كانت تظهر الأمراض والأوبئ، إلى جانب ارتباط تلك الأزمات بالأوضاع الاقتصادية، حيث يعد العامل الاقتصادي أحد أهم عوامل انتشار الأوبئة، هذا عن العامل الداخلي وأما العامل الخارجي في نقل الأوبئة وانتشارها فيتمثل في السفن التي تأتي من بعض الدول التي تنتشر بها الأمراض حيث كانت تحمل مأكولات تشتم رائحتها الفئران وعند اقتراب السفينة من الشاطئ تقفز إليه وتنتشر حاملة الأمراض، مشيرا إلى أنه كان هناك نظام حجر صحي يسمى "كارنتينه" وكان لزاما على أي أجنبي يدخل إلى مصر أن يمكث في هذا الحجر لمدة 30 يوما وربما يصل الأمر إلى 40 يوما، ويطبق هذا الإجراء أيضا على المصريين القادمين من الخارج.
ويقول أستاذ التاريخ إن الأوبئة ظلت تنهش في الجسد المصري حتى تطوير أساليب الري وعدم ترك النيل يتحكم في الأمور، بعدما تم إنشاء القناطر الخيرية إلى جانب بناء السد العالي فمن هنا لم تتعرض مصر لمجاعات نتيجة نقص المياه، ومن ثم قلت الأوبئة في الظهور، وكان انتشار الوباء يقتصر فقط على القادمين من دول أوروبا أو غيرها عبر السفن: "كان لما يظهر مرض في دولة ممكن يوصل لينا بعدها بشهور عكس اليومين دول بيوصل سريعا بسبب الطيران"، ويؤكد "الدالي" أن القرن السابع عشر يعد أكثر القرون التي انتشرت فيها الأوبئة في مصر، حيث حصدت الأوبئة أرواح مئات الآلاف من المصريين، وفي تلك الأثناء لم يكن هناك جهاز تعبئة وإحصاء يمكنه الكشف الدقيق عن عدد الموتى: "بعض المؤرخين، ذكروا في كتبهم إن عدد الموتى كان زايد بشكل مخيف، لدرجة إن صلاة الجنازة كانت ممكن تكون على 5 أو 6 متوفين داخل مسجد واحد".
ويتابع أستاذ التاريخ الحديث ويقول إن وباء الكوليرا والذي انتشر في مصر في أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات من القرن الماضي، جاء نتيجة الإهمال الصحي بعدما تم فرض حصار اقتصادى على مصر بسبب الحرب العالمية الثانية، ومنذ عام 1939 وحتى 1945م، ومصر تعاني بعدما تفشي هذا الوباء في الريف والمدن وكانت الجثث تنتشر في جميع الأنحاء، وما زاد الطين بلة بحسب تعبيره، هو تحلل تلك الجثث في الهواء بسبب خوف المواطنين في الأماكن النائية من العدوى، ما أدى إلى ظهور الكوليرا في مصر، وقضت حينها على عدد كبير من السكان، مشيرا إلى أن هناك أوبئة يمكن لها أن تتفشى بعدما تأتي من الخارج وأوبئة أخرى تنتشر بسبب أساليب الدفن الخاطئ وكثرة الجثث.
ويذكر الباحث التاريخي أنه في عام 1562 ميلاديا، ظهر وباء الطاعون وبدأ من الإسكندرية نتيجة قفزة فأر، وحينها أودى بحياة المئات، ثم انتقل الوباء إلى دمنهور وحوش عيسى، بمحافظة البحيرة، ثم استقر في القاهرة، وحصد حينها أرواح مئات الآلاف من المصريين ويضيف: "القرن الأول من الحكم العثماني ارتبط بظهور الكوليرا واللي في الغالب دورة الوباء كانت بتكون مرتبطة بقلة مياه النيل، في أوائل القرن 19، كان عدد السكان ما بين 4 إلى 5 ملايين، وقتها الطاعون حصد أرواح 400 ألف مصري، وغالبا ما كان بيتكرر بمعدل 7 سنوات في المتوسط"، ويشير" الدالي" إلى وجود أمراض أخرى انتشرت في مصر بخلاف الكوليرا والطاعون، على، رأسها الشلل النفسي والبلهارسيا.- فما أشبه الليلة بالبارحة ؟!
مُلخص الموضوع :-




أنه من 
في عام 1348 اجتاح الطاعون العالم، وطرق أبواب مصر بعد 3 سنوات في عصر دولة المماليك البحرية خلال فترة حكم الملك الناصر حسن (الأولى)، وسماه المصريون الورباء الأصفر أو الموت الأصفر، نسبةً لمكان قدومه من آسيا.
يقول المؤرخ المصري الشهير "ابن إياس" إنه كان يخرج من القاهرة كل يوم ما يزيد على 20 ألف جنازة، وبلغ عدد من ماتوا بين شهرى شعبان ورمضان نحو 900 ألف نسمة،  وتضررت الأراضي الزراعية وقلت المحاصيل الزراعية جراء موت الفلاحين.

2- طاعون إسماعيل، عام 1791
مرة أخرى هاجم الطاعون ديار مصر في عصر إمارة المملوكي إسماعيل بك الكبير عام 1791، وسُمي الوباء باسمه "طاعون إسماعيل"، وكانت أعداد الوفيات مرتفعة جدًا بلغت قرابة 2000 حالة وفاة يوميًا، وقصى على ثلث سكان القاهرة والتي كان عددها قرابة 260 ألف نسمة، أي وصلت الوفيات لقرابة 86 ألف نسمة، وكان من بينهم إسماعيل بك نفسه.

3- الكوليرا، أعوام 1883، 1902، 1947
خلال أكثر من 60 عامًا عاش المصريون في رعب من وباء الكوليرا الذي ضرب البلاد 3 مرات ما بين 1883 و1947. ظهر مصر الكوليرا للمرة الأولى في مدينة دمياط في يونيو 1883 بسبب سفينة بريطانية ملوثة بالمرض، وانتشرت منها لباقي المدن. تفشت الكوليرا لمدة 34 يومًا وحصدت أرواح 150 ألف نسمة. وفي المرة الأخيرة الثالثة التي ظهر فيها الوباء عام 1947 أودى بحياة 20 ألف نسمة.

4- الملاريا، عام 1943
تفشى مرض الملاريا في الريف في مديرتي أسوان وقنا، وبلغ عدد المصابين به قرابة ربع مليون نسمة، توفى منهم 22.4 ألف نسمة، أي ما نسبته 8 % من أعداد المصابين، واشتد المرض في الشتاء ليستمر حتى نجحت الحكومة المصري في القضاء عليه في فبراير 1945.

5- أنفلونزا الطيور، عام 2006 
ظهرت أنفلونزا الطيور عام 2006 واستمرت على فترات في الانتشار والانحسار حتى أواخر 2013، وبلغت 63 حالة وفاة، والإصابات 173 حالة، قبل أن يعود المرض للظهور مجددًا في خلال 2014 و2015، وفقًا لشبكة "سي إن إن".

6- أنفلونزا الخنازير، 2014
أعلنت وزارة الصحة المصرية في 2014، ارتفاع حالات الوفاة بسبب الإصابة بفيروس "H1N1"، المعروف سابقًا بإنفلونزا الخنازير، إلى 24 حالة منذ ديسمبر الماضي، وإصابة نحو 192شخصا بالمرض، وعملت الحكومة المصرية على الحد من انتشار الفيروس في البلاد وأعدمت قرابة 300 ألف خنزير، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

تمنياتي أن يكون الجميع قد أستفادوا من السرد والطرح لمواجهة مصر للأوبئة عبر تاريخها ...
دُمتُم في أمان الله ورعايته ..

عن الكاتب

مُصطَفـيَ شـوقـيَ

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة لـ

~| مَـعَ🖊قَلَمِـيّ|~🥊🥇🎬

2017